فصل: باب الوصية في الثلث لا تتعدى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب القضاء في استهلاك العبد اللقطة

هذا الباب - اغنى الترجمة - ليس عند احد في ‏(‏الموطا‏)‏ فيما علمت عن يحيى بن يحيى واما الخبر فيه فهو في اخر باب القضاء في اللقطة لا في باب مفرد وكان صوابه ان يكون لو كان باب القضاء في استهلاك العبد اللقطة‏.‏

1452- قال مالك الامر عندنا في العبد يجد اللقطة فيستهلكها قبل ان تبلغ الاجل الذي اجل في اللقطة وذلك سنة انها في رقبته اما ان يعطي سيده ثمن ما استهلك غلامه واما ان يسلم اليهم غلامه وان امسكها حتى ياتي الاجل الذي اجل في اللقطة ثم استهلكها كانت دينا عليه يتبع به ولم تكن في رقبته ولم يكن على سيده فيها شيء قال ابو عمر كان الشافعي وغيره يخالف قال الشافعي في كتاب اللقطة واذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد بها فاقرها في يده فالسيد ضامن لها في ماله من رقبته وغيرها ان استهلك العبد قال المزني ومما وجد بخطه لا اعلمه سمع منه لا يكون على العبد غرم حتى يعتق من قبل ان له اخذها قال المزني الاول اقيس اذا كانت في الذمة والعبد عندي ليس له ذمة قال الشافعي فان لم يعلم بها السيد فهي في رقبته ان استهلكها قبل السنة وبعدها دون مال السيد لان اخذه اللقطة عدوان انما ياخذ اللقطة من له ذمة قال المزني هذا اشبه قال ولا يخلو السيد اذا علم بها واقرها في يده ان يكون ذلك تعديا فكيف لا يضمن ما يتعدى فيه في جميع ماله او لا يكون تعديا فلا يعدو رقبة عبده واما ابو حنيفة واصحابه فمذهبهم ان كل مال استهلكه العبد بيع فيه الا ان يفديه مولاه‏.‏

باب القضاء في الضوال

1453- مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ان ثابت بن الضحاك الانصاري اخبره انه وجد بعيرا بالحرة فعقله ثم ذكره لعمر بن الخطاب فامره عمر ان يعرفه ثلاث مرات فقال له ثابت انه قد شغلني عن ضيعتي فقال له عمر ارسله حيث وجدته‏.‏

1454- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب قال وهو مسند ظهره إلى الكعبة من اخذ ضالة فهو ضال‏.‏

1455- مالك انه سمع بن شهاب يقول كانت ضوال الابل في زمان عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تناتج لا يمسها احد حتى اذا كان زمان عثمان بن عفان امر بتعريفها ثم تباع فاذا جاء صاحبها اعطي ثمنها قال ابو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال كانت ضوال الابل في زمن عمر بن الخطاب تناتج هملا لا يعرف لها احد فلما كان عثمان وضع عليها ميسم الصدقة وهو في ‏(‏الموطا‏)‏ لمالك عن بن شهاب لم يتجاوز به بن شهاب ولم يذكر سعيد بن المسيب وسياقة مالك له عن بن شهاب اتم معنى واحسن لفظا قال ابو عمر في ‏(‏المدونة‏)‏ عن مالك وبن القاسم واشهب اذا كان الامام عدلا اخذت الابل ودفعت إليه ليعرفها فان جاء صاحبها والا ردها إلى المكان الذي وجدها فيه قال بن القاسم هذا راي على ما روي عن عمر في ذلك وقال اشهب ان لم يات ربها باعها وامسك ثمنها على ما جاء عن عثمان قالوا وان كان الامام غير عدل لم تؤخذ ضالة الابل وتركت في مكانها واما ضالة البقر فقال بن القاسم ان كانت بموضع يخاف عليها فهي بمنزلة الشاة وان كان لا يخاف عليها فهي بمنزلة البعير وروى بن وهب عن مالك مثل ذلك وقال اشهب ان كان لها من انفسها منعة في المرعى كالابل فهي كالابل وان لم تكن فهي كالغنم‏.‏

وقال الشافعي ليس البقر والابل كالغنم لان الغنم لا تدفع عن نفسها والابل والبقر تدفع عن انفسها وتردان المياه وان تباعدت وتعيشان في المرعى والمشرب بلا راع فليس لاحد ان يعرض لواحدة منها قال والخيل والبغال والحمير كالبعير لان كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الاثر في الارض كالظبي والارنب والطير المنعتة بالاحتيال والسرعة وقال في موضع اخر جاء النص في الابل والبقر قياسا عليها قال ابو عمر ذهب مالك والشافعي في ضوال الابل إلى قول عمر بن الخطاب ان البعير لا يؤخذ ويترك حيث وجد وبه قال الاوزاعي والليث بن سعد واما الكوفيون فلم يقولوا بما روي عن عمر في الضوال وقال ابو حنيفة واصحابه سواء كانت اللقطة بعيرا او شاة او بقرة او حمارا او بغلا او فرسا ياخذ ذلك الواجد له ويعرفه وينفق عليه فان جاء صاحبه فاستحقه كان متبرعا بما انفق الا ان يكون انفق بامر القاضي فيكون ما انفق على الضالة دينا في رقبتها فان جاء صاحبها دفع ذلك إليه والا بيعت له واخذ نفقته من ثمنها فان راى القاضي قبل مجيء صاحبها الامر ببيعها لما راه في ذلك من الصلاح لصاحبها امر ببيعها ويحفظ ثمنها على صاحبها وان كان غلاما اجره القاضي وانفق عليه من اجرته وان ذلك في الدابة ايضا فعله قالوا ومن وجد بعيرا ضالا فالافضل له اخذه وتعريفه والا يتركه فيكون سببا لضياعه وقد ذكرنا حجتهم في ذلك فيما تقدم والحمد لله كثيرا‏.‏

باب صدقة الحي عن الميت

1456- مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن ابيه عن جده انه قال خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فحضرت امه الوفاة بالمدينة فقيل لها اوصي فقالت فيم اوصي انما المال مال سعد فتوفيت قبل ان يقدم سعد فلما قدم سعد بن عبادة ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله ‏!‏ هل ينفعها ان اتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نعم‏)‏ فقال سعد حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه هكذا قال يحيى عن مالك عن سعيد بن عمرو وتابعه اكثر الرواة منهم بن القاسم وبن وهب وبن بكير وابو المصعب وقال فيه القعنبي سعد بن عمرو وكذلك قال بن البرقي سعد بن عمرو بن شرحبيل كما قال القعنبي لان سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة قد روى عنه ابو امامة بن سهل بن حنيف وغيره‏.‏

1457- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان امي افتلتت نفسها واراها لو تكلمت تصدقت افاتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نعم‏)‏ قال ابو عمر اظن هذا الرجل سعد بن عبادة وروى بن عيينة عن عمرو عن عكرمة ان سعد بن عبادة اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ‏!‏ ان امي ماتت ولم توص افاتصدق عنها قال نعم قال سفيان قال عمرو واخبرني بن المنكدر ان سعد بن عبادة قال يا رسول الله ‏!‏ ان ام سعد ماتت ولم توص افينفعها ان اتصدق عنها قال ‏(‏نعم‏)‏ قال فانها تركت مخرفا اشهدك اني قد تصدقت به عنها قال سفيان ثم اتيت بن المنكدر فحدثني به والاحاديث في قصة ام سعد بن عبادة هذه متواترة مسندة ومرسلة وقد ذكرنا كثيرا منها في ‏(‏التمهيد‏)‏ والعلماء كلهم مجمعون على ان صدقة الحي عن الميت جائزة مستحبة وهذا الحديث وما كان مثله متلقى عندهم بالقبول والعمل واما حديث هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة فمسند صحيح معمول به وهو في معنى الحديث الاول وذلك كله يدلك على ان الصدقة على الموتى بالمال خلاف اعمال الابدان عندهم لانهم لا يجوز ان تقضى صلاة عن احد عند الجميع وكذلك الصيام عند الجمهور والاكثر واما قوله في حديث هشام ‏(‏افتلتت نفسها‏)‏ فمعناه اختلست منها نفسها وماتت فجاة قال الشاعر‏:‏

من يامن الايام بعد صبيرة القرشي ماتا *** سبقت منيته المشيب وكانت منيته افتلاتا

قال ابو بكر بن شاذان سألت ابا زيد النحوي عن قول عمر ‏(‏كانت بيعة ابي بكر فلتة‏)‏ وقى الله شرها فقال اراد كانت فجاة وانشد قول الشاعر ‏(‏وكانت ميتته افتلاتا‏)‏ قال وتقول العرب اذا رات الهلال بغير قصد إلى ذلك رايت الهلال فلته قال خالد بن يزيد ابو مصعب فان تفتلتها فالخلافة تنفلت باكرم علقي منبر وسرير‏.‏

1458- مالك انه بلغه ان رجلا من الانصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على ابويه بصدفة فهلكا فورث ابنهما المال وهو نخل فسال عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏قد اجرت في صدقتك وخذها بميراثك‏)‏ قال ابو عمر روي هذا الحديث من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد احسنها حديث بريدة الاسلمي اخبرنا عبد الله بن محمد اخبرنا محمد بن بكر حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن عبد الله بن يونس قال حدثني زهير قال حدثني عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن ابيه ان امراة اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على امي بوليدة وانها ماتت وتركت تلك الوليدة قال ‏(‏وجب اجرك ورجعت اليك بالميراث‏)‏ وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الحارثي الخزرجي - وهو الذي اري الاذان في المنام - عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه فيه لين ولكنه يحتمل وجمهور العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلف ائمة الفتوى بالحجاز والعراق منهم مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم في العمل به وكان الحسن بن حي يستحب لمن تصدق بصدقة ثم رجعت إليه بالميراث ان يتصدق بها وشذت فرقة من اهل الظاهر لم تعرف الحديث فكرهت له اخذها بالميراث وراته من باب الرجوع في الصدقة وقد مضى قولنا في الرجوع في الصدقة في مواضع من هذا الكتاب منها حديث عمر في الفرس ومنها حديث عائشة في قصة لحم بريرة فاغنى ذلك عن اعادته هنا وروينا عن مسروق انه سئل عن الرجل يتصدق بالصدقة ثم يردها إليه الميراث فقال ما رد عليك القران فكل قال ابو عمر لا معنى لقول من كره رجوع الصدقة إلى المتصدق بها بالميراث لانه مخالف لظاهر القران في عموم ايات المواريث ومخالف الاثر وجمهور العلماء وبالله التوفيق‏.‏

كتاب الوصية

باب الامر بالوصية

1459- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة‏)‏ قال ابو عمر هكذا قال مالك في هذا الحديث له شيء يوصى فيه وقال بعضهم فيه عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا ينبغي لاحد عنده مال يوصى فيه تاتي عليه ليلتان الا ووصيته عنده‏)‏ وقال فيه الزهري عن سالم عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا ينبغي لاحد يبيت ثلاثا الا ووصيته مكتوبة عنده‏)‏ وقد ذكرنا اختلاف الفاظ الناقلين لهذا الحديث في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي هذا الحديث الحض على الوصية والتاكيد في ذلك واجمع الجمهور على ان الوصية غير واجبة على احد الا ان يكون عليه دين او يكون عنده وديعة او امانة فيوصي بذلك وشذ اهل الظاهر فاوجبوا الوصية فرضا اذا ترك الرجل مالا كثيرا ولم يوقتوا في وجوبها شيئا والفرائض لا تكون الا مؤقتة معلومة والله اعلم وقد استدل بعض العلماء على ان الوصية غير واجبة بقوله عز وجل في اية الوصية ‏(‏ بالمعروف حقا على المتقين‏)‏ ‏[‏البقرة 180‏]‏‏.‏

والمعروف التطوع بالاحسان قالوا والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من اهل الدين واستدل غيره بان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص وهذا لا يحتج له لان ما تخلفه صلى الله عليه وسلم من شيء تصدق به ولم يترك شيئا - قالت عائشة - رضي الله عنها - ‏(‏ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا اوصى بشيء‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏انا لا نورث ما تركنا فهو صدقة‏)‏ فأي وصية اعظم من هذه ان تكون تركته كلها صدقة لا ميراث فيها وانما ندب إلى الوصية من امته من ترك مالا يورث عنه قال الله عز وجل ‏(‏كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية‏)‏ ‏[‏البقرة 180‏]‏‏.‏

واجمعوا ان الخير المال في قوله عز وجل في اية الوصية ‏(‏ان ترك خيرا‏)‏ وكذلك قوله في الانسان ‏(‏وانه لحب الخير لشديد‏)‏ ‏[‏العاديات 8‏]‏‏.‏

الخير عندهم هنا المال كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام ‏(‏اني احببت حب الخير‏)‏ ‏[‏ص 32‏]‏‏.‏

وكذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام ‏(‏اني اراكم بخير‏)‏ ‏[‏هود 84‏]‏‏.‏

قالوا الغنى وقد جاء في مواضع من القران ذكر الخير بمعنى المال والغنى ومن لم يترك دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا فلم يترك خيرا ولا مالا يوصى فيه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني ابو معاوية قال حدثني الاعمش عن شقيق ابي وائل عن مسروق عن عائشة قالت ‏(‏ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا اوصى بشيء‏)‏ وقال بن المبارك عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال قلت لابن ابى اوفى اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال لا قال قلت فكيف امر الناس بالوصية قال اوصي بكتاب الله عز وجل وقد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ واختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية او تجب عند من اوجبها فروي عن علي - رضي الله عنه - انه قال ستمائة درهم او سبعمائة درهم ليست بمال فيه وصية وروي عنه انه قال الف درهم مال فيه وصية وهذا يحتمل لمن شاء وقد روي عن علي - رضي الله عنه - انه قال من ترك مالا يسيرا فليدعه لورثته فهو افضل وهذا - والله اعلم - اخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس‏)‏ وقال بن عباس لا وصية في ثمانمائة درهم وقالت عائشة في امراة لها اربع من الولد ولها ثلاثة الاف درهم لا وصية في مالها وقال ابراهيم النخعي الخير - يعني في اية الوصية - الف درهم إلى خمسمائة وعن عائشة انها قالت من ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا فلا يوص وقال قتادة في قوله عز وجل ‏(‏ان ترك خيرا الوصية‏)‏ ‏[‏البقرة 180‏]‏‏.‏

وقال الخير الف فما فوقها واتفق فقهاء الأمصار على ان الوصية مندوب اليها مرغوب فيها وانها جائزة لمن اوصى في كل مال قل او كثر ما لم يتجاوز الثلث وممن قال بهذا مالك والثوري وابو حنيفة والاوزاعي والحسن بن حي والشافعي واحمد واسحاق وروي ذلك عن جماعة من السلف وقد قيل ان اية الوصية نسختها اية المواريث قال ذلك مالك وجماعة من العلماء قبله وبعده حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن محمد المروزي قال حدثني علي بن حسين بن واقد عن ابيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس ‏(‏ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين‏)‏ كانت الوصية كذلك حتى نسختها اية المواريث وقد بين ذلك علي بن ابي طلحة في روايته عن بن عباس وان كانت مرسلة فمعناها صحيح في البيان لا اختلاف فيه اذ كان لا يرث مع الوالدين غيرهم الا وصية ان كان للاقربين ثم انزل الله عز وجل ‏(‏ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد ورثه ابواه فلامه الثلث‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

قال فبين الله عز وجل ميراث الابوين وامر بوصية الاقربين في ثلث مال الميت قال ابو عمر هكذا قال ‏(‏والاقربون الذين تجوز لهم الوصية ليسوا بوارثين‏)‏ وهذا اجماع من علماء المسلمين انه لا وصية لوارث وان المنسوخ من اية الوصية الوالدان على كل حال اذا كانا على دين ولدهما لانهما حينئذ - وارثان لا يحجبان وكذلك كل وارث من الاقربين لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا وصية لوارث‏)‏ ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم وصار لهم اكثر مما اعطاهم فمن هنا قال العلماء ان اية المواريث نسخت الوصية للوالدين والاقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قول كل من لا يجيز نسخ القران بالسنة وقد قال لا ينسخ القران الا بالقران وهو قول الشافعي واصحابه واكثر المالكيين وداود وسموا السنة بيانا لا نسخا واما الكوفيون الذين يجيزون نسخ القران بالسنة وقالوا كل من عند الله فانهم قالوا نسخ الوالدين والاقربين الوارثين من الوصية قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا وصية لوارث‏)‏ حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا اخبرنا قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعه يقول سمعت ابا امامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ‏(‏ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث‏)‏ وقد ذكرنا الحديث من طرق عن إسماعيل بن عياش في ‏(‏التمهيد‏)‏‏.‏

وحدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني بن الاعرابي قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثني يزيد بن هارون قال اخبرنا سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة ان النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته فقال ‏(‏ان الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث فلا تجوز وصية لوارث قال ابو عمر اجمع العلماء على القول بان لا وصية لوارث وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث وتلقيا منهم له بالقبول فسقط الكلام في اسناده واختلفوا في الوصية للاقربين غير الوارثين هل هي واجبة لهم ام لا فقال الاكثر من العلماء ليست بواجبة لهم لان اصلها الندب كما وصفنا وقالوا الوصية للاقربين اذا كانوا محتاجين افضل وقال داود واهل الظاهر الوصية للاقربين غير الوارثين واجبة لانها لم تنسخ وانما انتسخ الوارثون والاية عندهم على الايجاب كما قدمنا عنهم واختلفوا فيمن اوصى لغير قرابته وترك قرابته الذين لا يرثون فقال طاوس ترد وصيته على قرابته وروي عن الحسن مثله وقال الضحاك من اوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية وقال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد - ابو الشعثاء - من اوصى لغير قرابته بثلثه رد إلى قرابته من ذلك ثلثا الثلث ويمضي لمن اوصى له ثلث الثلث وروي مثل هذا عن الحسن ايضا وقد ذكرنا الاسانيد عنهم في ‏(‏التمهيد‏)‏ وبه قال إسحاق بن راهويه‏.‏

وقال مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم والثوري والاوزاعي واحمد بن حنبل من اوصى لغير قرابته وترك قرابته محتاجين فبئس ما صنع وفعله مع ذلك ماض جائز لكل من اوصى له من غني وفقير قريب وبعيد مسلم وكافر وهو معنى ما روي عن عمر وعائشة وهو قول بن عمر وبن عباس وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وروي عن عمر بن الخطاب انه اوصى لأمهات اولاده وعن عائشة انها اوصت لمولاتها وقد روي عن جابر بن زيد انه سئل عمن اوصى لغير قرابته بثلثه فقال يمضي ولو اوصى ان يلقي ثلثه في البحر قال بن سيرين اما في البحر فلا ولكن يمضي كما قال وقد روي عن الشعبي انه قال للرجل ثلثه يطرحه في البحر ان شاء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ان الله تصدق عليكم بثلث اموالكم عند وفاتكم زيادة في اعمالكم ‏(‏1‏)‏ وقد ذكرنا الاسناد في هذا وعن كل من ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ واحتج الشافعي - رحمه الله - على من لم يجز الوصية لغير القرابة بحديث عمران بن حصين في الذي اعتق ستة اعبد له في مرضه عند موته لا مال له غيرهم فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة فهذه وصية لهم في ثلثه لان افعال المريض كلها وصية في ثلثه فقد اجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بعتقهم وهم - لا محالة - من غير قرابته قال ابو عمر هذا كله فيمن اوصى لغير وارث واما من اوصى لوارث فلا تجوز وصيته باجماع وان اوصى لغير وارث وهو يريد به الوارث فقد حاف وجار واتى الجنف والجنف في اللغة الميل وهو في الشريعة الاثم والميل عن الحق روى الثوري ومعمر عن بن طاوس عن ابيه قال الجنف ان يوصي لابن ابنته وهو يريد ابنته حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني عبدة بن عبد الله قال حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني نصر بن علي الحداني قال حدثني الاشعث بن جابر الحداني قال حدثني شهر بن حوشب ان ابا هريرة حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ان الرجل ليعمل والمراة بطاعة الله ستين او سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار‏)‏ وقرا ابو هريرة ‏(‏من بعد وصية يوصى بها او دين غير مضار‏)‏ ‏[‏النساء 12‏]‏‏.‏

واخبرنا محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني ابراهيم بن موسى قال حدثني يوسف بن موسى قال حدثني ابو معاوية عن داود بن ابي هند عن عكرمة عن بن عباس قال الاضرار في الوصية من الكبائر ثم قرا ‏(‏غير مضار‏)‏ ‏[‏النساء 12‏]‏‏.‏

إلى قوله ‏(‏تلك حدود الله‏)‏ ‏[‏النساء 13‏]‏‏.‏

وإلى قوله ‏(‏ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده‏)‏ ‏[‏النساء 14‏]‏‏.‏

واتفق الجمهور من فقهاء الامصار على ان الوصية للوارث موقوفة على اجازة الورثة فان اجازها الورثة بعد الموت جازت وان ردوها فهي مردودة ولهم في اجازتها اذا اجازها الورثة قولان احدهما ان اجازتهم لها تنفيذ منهم لما اوصى به الميت وحكمها حكم وصية الميت والاخرى انها لا تكون وصية ابدا وانما هي من قبل الورثة عطية وهبة للموصى له على حكم العطايا والهبات عندهم وقد اختلف اصحاب مالك على هذين القولين ايضا وحجة من قال الوصية للوارث جائزة اذا اجازها الورثة ما حدثنا محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن قال حدثني ابراهيم بن الهيثم الناقد قال حدثني ابو معمر القطيعي قال حدثني حجاج عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا وصية لوارث الا ان يجيزها الورثة‏)‏ وهذا الحديث لا يصح عندهم مسندا وانما هو من قول بن عباس كذلك رواية الثقات له عن بن جريج وانما رفعه ابو معمر القطيعي ولا يصح رفعه وقال المزني وداود بن علي وجماعة اهل الظاهر لا تجوز الوصية للوارث اجازها الورثة او لا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لا وصية لوارث‏)‏ ولم يقل الا ان يجيزها الورثة وحسبهم ان يعطوه من اموالهم ما شاؤوا وقال المزني انما منع الوارث من الوصية لئلا ياخذ مال الميت من وجهين مختلفين قال ابو عمر من حجة من اجاز تجويز الورثة الوصية للوارث اتفاقهم على انه ان اوصى باكثر من الثلث واجازه الورثة جاز فالوصية للوارث مثل ذلك والله اعلم قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الموصي اذا اوصى في صحته او مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه او غير ذلك فانه يغير من ذلك ما بدا له ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت وان احب ان يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل الا ان يدبر مملوكا فان دبر فلا سبيل إلى تغيير ما دبر وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة‏)‏ قال مالك فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته ولا ما ذكر فيها من العتاقة كان كل موص قد حبس ماله الذي اوصى فيه من العتاقة وغيرها وقد يوصي الرجل في صحته وعند سفره قال مالك فالامر عندنا الذي لا اختلاف فيه انه يغير من ذلك ما شاء غير التدبير قال ابو عمر ما ذكره مالك في ان للموصي ان يتصرف فيما اوصى به غير التدبير هو امر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه الا التدبير فانهم اختلفوا في الرجوع في المدبر وفي بيعه فكل من راى بيعه راى الرجوع فيه لمن شاء وممن راى ذلك مجاهد وعطاء وطاوس وبه قال الشافعي واحمد واسحاق ولا يجوز بيع المدبر ولا الرجوع فيه عند مالك وابي حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح بن حي وقد اجاز الليث بيعه للعتق من نفسه ومن غيره وقال بن سيرين لا يباع الا من نفسه وهو قول مالك وكره بيع المدبر بن عمر وبن المسيب والشعبي والنخعي والزهري وقد تقدم القول في ذلك في كتاب المدبر والحمد لله‏.‏

باب جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه

1460- مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم عن ابيه ان عمرو بن سليم الزرقي اخبره انه قيل لعمر بن الخطاب ان ها هنا غلاما يفاعا لم يحتلم عن غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال وليس له ها هنا الا ابنة عم له قال عمر بن الخطاب فليوص لها قال فاوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم فبيع ذلك المال بثلاثين الف درهم وابنه عمه التي اوصى لها هي ام عمرو بن سليم الزرقي‏.‏

1461- مالك عن يحيى بن سعيد عن ابي بكر بن حزم ان غلاما من غسان حضرته الوفاة بالمدينة ووارثه بالشام فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقيل له ان فلانا يموت افيوصي قال فليوص قال يحيى بن سعيد قال ابو بكر وكان الغلام بن عشر سنين او اثنتي عشرة سنة قال فاوصى ببئر جشم فباعها اهلها بثلاثين الف درهم قال ابو عمر روى بن عيينة هذين الحديثين الاول عن عبد الله بن ابي بكر عن ابيه عن عمرو بن سليم الزرقي ان غلاما من غسان حضرته الوفاة بالمدينة فقيل لعمر بن الخطاب ان فلانا يموت قال مروه فليوص فاوصى ببئر جشم قال فبيعت بثلاثين الفا قال وكان الغلام بن عشر سنين او اثنتي عشرة سنة هكذا قال بن عيينة في حديثه عن عبد الله بن ابي بكر ورواه عن يحيى بن سعيد عن ابي بكر بن محمد عن عمرو بن سليم عن عمر بن الخطاب مثله وسفيان عن ايوب عن محمد عن شريح قال من اوصى من صغير او كبير فاصاب الحق فالله قضاه على لسانه ليس للحق مدفع قال بن سيرين وقاله عبد الله بن عتبة قال سفيان وقال بن شبرمة وبن ابي ليلى لا تجوز وصية من لم يبلغ قال وقال بن شبرمة انا لا اجيز صدقته فكيف اجيز وصيته ‏!‏ قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الضعيف في عقله والسفيه والمصاب الذي يفيق احيانا تجوز وصاياهم اذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون ما يوصون به فاما من ليس معه من عقله ما يعرف بذلك ما يوصي به وكان مغلوبا على عقله فلا وصية له قال ابو عمر اما وصية الصغير اذا كان يعقل ما اوصى به ولم يات بمنكر من القول والفعل فوصيته جائزة ماضية عند مالك والليث واصحابهما ولا حد عندهم في صغره عشر سنين ولا غيرها اذا كان ممن يفهم ما ياتي به في ذلك واصاب وجه الوصية وقال عبيد الله بن الحسن اذا اوصى في وسط ما يحتلم له الغلمان جازت وصيته وقال ابو حنيفة واصحابه لا تجوز وصية الصبي وقال المزني هو قياس قول الشافعي ولم اجد للشافعي في ذلك شيئا ذكره ونص عليه واختلف اصحابه على قولين احدهما كقول مالك والثاني كقول ابي حنيفة وحجتهم انه لا يجوز طلاقه ولا عتقه ولا يقبض منه في جناية ولا يحد به في قذف فليس كالبالغ المحجور عليه فكذلك وصيته قال ابو عمر قد اجمع هؤلاء على ان وصية البالغ المحجور عليه جائزة ومعلوم ان من يعقل من الصبيان ما يوصي به فحاله حال المحجور عليه في ماله وعلة الحجر تبديد المال وتلافه وتلك علة مرتفعة عنه بالموت وهو بالمحجور عليه في ماله اشبه منه بالمجنون الذي لا يعقل فوجب ان تكون وصيته مع الاثر الذي جاء فيه عن عمر - رضي الله عنه -‏.‏

وقال مالك انه الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة وبالله التوفيق واما قوله في البالغ المحجور عليه فقد مضى قول مالك في هذا الباب في موطئه وقال بن القاسم عن مالك ان حضرته الوفاة فاوصى بوصايا فذلك جائز وقال محمد بن الحسن في كتاب الحجر - ولم يحك خلافا عن احد من اصحابه - والقياس في وصايا الغلام الذي قد بلغ وهو مفسد غير مصلح انها باطل ولكنا نستحسن في وصاياه اذا وافق الحق فيها ولم يات سرفا انها تجوز من ثلثه كما تجوز من ثلث غيره وقال الربيع عن الشافعي تجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير محجور قال ابو عمر انما منع المحجور عليه لما يخاف من افساد ماله احتياطا عليه فاذا صار في حال الموت استغنى عن ذلك فكان بمنزلة من ليس بمحجور عليه وبالله التوفيق‏.‏

باب الوصية في الثلث لا تتعدى

1462- مالك عن بن شهاب عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه انه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي افاتصدق بثلثي مالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا‏)‏ فقلت فالشطر قال ‏(‏لا‏)‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الثلث والثلث كثير انك ان تذر ‏(‏1‏)‏ ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت حتى ما تجعل في في امرأتك‏)‏ قال فقلت يا رسول الله ااخلف بعد اصحابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انك لن تخلف فتعمل عملا صالحا الا ازددت به درجة ورفعة ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مات بمكة‏)‏ قال ابو عمر هكذا قال جماعة اصحاب بن شهاب في هذا الحديث جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع كما قال مالك الا بن عيينة فانه قال فيه عام الفتح فاخطا في ذلك وهذا حديث لا يختلف في صحة اسناده واتفق اهل العلم على القول به في انه لا يجوز لاحد ان يوصي باكثر من ثلثه وانما اختلفوا فيما للمريض ان يفعله في ماله من العطايا المقبلة غير الوصية فقال الجمهور ان افعال المريض فيما يتصدق به ويعتق ويهب في مرضه الذي يموت منه كلها في ثلثه كالوصايا وحجتهم ان هذا الحديث مع صحته لم يقل فيه بن شهاب عن عامر بن سعد افاوصي وانما قال افاتصدق ولم يجز له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة الا الثلث كالوصية المجتمع عليها وبن شهاب حافظ غير مدافع في حفظه وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بذلك في ‏(‏التمهيد‏)‏ وقد قال فيه سعد بن ابراهيم عن عامر بن سعد افاوصي وكذلك قال مصعب بن سعد عن ابيه افاوصي وساقوا الحديث بمعنى حديث بن شهاب سواء ولم يختلف في ذلك عن مصعب بن سعد وقد قال بان هبة المريض اذا قبضت من راس ماله ان مات من مرضه طائفة من السلف واليه ذهب اهل الظاهر وداود واما جمهور العلماء وجماعة ائمة الفتوى بالامصار فقالوا هبة المريض قبضت او لم تقبض اذا مات من مرضه لا تكون الا في الثلث كالوصايا وممن قال بذلك مالك والليث والاوزاعي والثوري وابو حنيفة والشافعي واصحابهما وحجتهم حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته لا مال له غيرهم فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة فامضى له من ماله ثلثه ورد سائر ماله ميراثا وهذا حكم الوصية عند الجميع واجمع علماء المسلمين ان الميت اذا مات عن بنين او عن كلالة ترثه انه لا يجوز له ان يوصي في ماله باكثر من ثلثه واختلفوا اذا لم يترك بنين ولا عصبة فقال بن مسعود اذا كان كذلك جاز له ان يوصي بماله كله وعن ابي موسى الاشعري مثله وهو قول عبيدة ومسروق وبه قال ابو حنيفة واصحابه واليه ذهب إسحاق بن راهويه وقد ذكرنا الاثار عن بن مسعود وابي موسى وعبيدة ومسروق في ‏(‏التمهيد‏)‏ وذكر الطحاوي قال ابو حنيفة واصحابه وشريك القاضي اذا لم يكن له وارث اوصى بجميع ماله ومن حجتهم ان الاقتصار عن الثلث في الوصية انما كان من اجل ان يدع ورثته اغنياء ومن كان ممن لا وارث له فليس ممن عني بالحديث وجائز له ان يوصي بماله كله وقال زيد بن ثابت لا يجوز لاحد ان يوصي بماله كله كان له بنون او ورث كلالة او ورثه جماعة المسلمين وبهذا القول قال مالك والاوزاعي والحسن بن حي واختلف فيه قول احمد بن حنبل قال ابو عمر ما يصرف إلى بيت مال المسلمين فليس على سبيل الميراث ولو كان كذلك ما استحقه الرجل وابنه ولا من يحجب مع من يحجبه وانما هو من مال لا مالك له مصروف إلى نظر السلطان يصرفه حيث يراه من المسلمين في مصالحهم واجمع جمهور اهل العلم ان الوصية لا تجوز باكثر من الثلث الا ان يجيزها الورثة وعلى هذا جماعة جمهور الفقهاء بالعراق والحجاز والمغرب والشام وشذت طائفة منهم عبد الرحمن بن كيسان فلم يجيزوا الوصية باكثر من الثلث وان اجازها الورثة وقالوا ليس لهم ان يجيزوا للموصي ذلك ولهم ان يعطوا الموصى له من فرائضهم وسائر اموالهم ما شاؤوا وكره الجماعة من اهل العلم الوصية في الثلث لمن يرثه ذريته واستحبت منهم جماعة الوصية بالخمس وروي عن ابي بكر الصديق - رضي الله عنه - انه قال رضيت في وصيتي بما رضى الله به لنفسه يعني من الغنيمة وذكر عبد الرزاق قال اخبرني من سمع الحسن وابا قلابة يقولان اوصى ابو بكر بالخمس واستحبت طائفة الوصية بالربع روي ذلك عن بن عباس وقال إسحاق بن راهويه السنة في الوصية الربع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ الثلث كثير‏)‏ الا ان يكون رجل يعرف في ماله شبهات فيجوز له ان يوصي بثلثه لا يتجاوزه واستحبت طائفة الوصية بالثلث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ان الله تعالى جعل لكم في الوصية ثلث اموالكم زيادة في اعمالكم‏)‏ روي من وجوه فيها لين قد ذكرناها في ‏(‏التمهيد‏)‏ منها ما رواه وكيع وبن وهب عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث لم يروه عن عطاء غير طلحة بن عمرو هذا وهو ضعيف مجتمع على ضعفه والصحيح عن بن عباس ما رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن ابيه قال قال بن عباس لو غض الناس من الثلث إلى الربع في الوصية لكان احب الي لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏الثلث والثلث كثير‏)‏ قال سفيان‏.‏

وحدثنا جعفر بن برقان ان ابا بكر الصديق قال ارضى في وصيتي بما رضي الله عز وجل بالخمس قال سفيان يعني خمس الفيء لقوله ‏(‏فان لله خمسه‏)‏ الاية الانفال 41 وقال قتادة الثلث كثير والقضاة يجيزونه والربع قصد واوصى ابو بكر بالخمس وقال بن سيرين الثلث جهد وهو جائز وقال قتادة اوصى عمر بالربع واوصى ابو بكر بالخمس وهو احب الي وقال ابراهيم كان الخمس احب اليهم من الربع والربع احب اليهم من الثلث وقد ذكرنا الاسانيد عن هؤلاء كلهم في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي هذا الحديث ايضا عيادة العالم والخليفة وسائر الجلة للمريض وفيه دليل على ان الاعمال لا يزكو منها الا ما اريد به وجه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت بها‏)‏ وفيه ان النفقة على البنين والزوجات من الاعمال الزاكيات الصالحات وان ترك المال للورثة اذا كان فضلا افضل من الصدقة به لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس‏)‏ واما قول سعد ‏(‏أأخلف بعد اصحابي‏)‏ فمعناه عندي - والله اعلم - ااخلف بمكة بعد اصحابي المهاجرين المتصدقين معك إلى المدينة دار الهجرة قال ذلك تحزنا واشفاقا من بقائه في موضع قد هجره لله ولرسوله واما جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله ‏(‏انك لن تخلف فتعمل عملا صالحا الا ازددت به درجة ورفعة‏)‏ فلم يخرج على كلامه وانما خرج مخرج الاقرار لان الغيب لا علم له به ولكن من خلف وعمل صالحا وقعت به درجته واما قوله ‏(‏ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون‏)‏ فهذا من ظنونه الصادقة التي كان كثيرا منها يقينا فقد خلف سعد - رضي الله عنه - حتى انتفع به اقوام وهلك به اخرون روى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج قال سالت عامر بن سعد بن ابي وقاص عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لسعد ‏(‏ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون‏)‏ فقال امر سعد على العراق فقتل قوما على ردة فاضر بهم واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة فتابوا فانتفعوا قال ابو عمر امره عمر - رحمه الله - على الكوفة على حرب القادسية وعمر سعد بعد حجة الوداع خمس واربعون سنة وتوفي سنة خمس وخمسين واما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم‏)‏ فمعناه الدعاء لهم في ان يتم لهم هجرتهم سالمة من افات الرجوع إلى الوطن المتقرب بهجرته إلى الله عز وجل وان يثبتهم على هجرتهم تلك وكانوا يستعيذون بالله تعالى ان يعودوا كالاعراب بعد هجرتهم لان الاعراب لم يتعبدوا بالهجرة التي كان يحرم بها على المهاجر الرجوع إلى وطنه ولم تكن الهجرة ‏(‏مقتصرة‏)‏ في ترك الوطن وتحريم الرجوع إليه على الابد الا على اهل مكة خاصة الذين امنوا به من اهلها واتبعوه ليتم لهم بالهجرة الغاية من الفضل الذي سبق لهم فعليهم خاصة افترضت الهجرة المفترض فيها البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث استقر والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته والحفظ لما يشرعه والتبليغ عنه ولم يرخص لواحد منهم في الرجوع إلى الوطن وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندهم كذلك لان هجرة دار الكفر حيث كانت وان كانت واجبة على كل من امن ان يهجر دار الكفر لئلا تجري عليه فيها احكام الشيطان وحرم عليه المقام حيث لا يجري عليه حكم الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انا بريء من كل مسلم مقيم مع المشركين‏)‏ فلم يحرم في هجرته هذه حالة الرجوع إلى الوطن الذي خرج منه اذا عادت تلك الدار دار ايمان واسلام وليس اهل مكة كذلك لان الهجرة كانت عليهم باقية إلى الممات وهم الذين اطلق عليهم المهاجرون ومدحوا بذلك دون غيرهم الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ارخص للمهاجر ان يقيم بمكة ثلاثة ايام بعد تمام نسكه وحجه رواه العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا هذا الحديث باسناده في كتاب الصلاة‏.‏

وحدثنا محمد بن ابراهيم اخبرنا احمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الاعناقي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الايلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن ابي وقاص عن عبد الرحمن الاعرج قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم على سعد رجلا وقال له ‏(‏ان مات بمكة فلا تدفنه بها‏)‏ قال سفيان لانه كان مهاجرا وعن بن عيينة عن محمد بن قيس عن ابي بردة عن سعد بن ابي وقاص قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم اتكره للرجل ان يموت في الارض التي هاجر منها قال ‏(‏نعم وروى عبد الله بن سعيد بن ابي هند عن ابيه عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قدم مكة قال ‏(‏اللهم لا تجعل منايانا بها‏)‏ لانه كان مهاجرا وقال فضيل بن مرزوق سالت ابراهيم النخعي عن المقام والجوار بمكة فقال اما المهاجر فلا يقيم بها واما غيره فانما كره له المقام بمكة خشية ان يكثر الناس بها فتغلوا اسعار اهلها وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن عامر بن سعد عن ابيه في الحديث المذكور في اول هذا الباب انه قال يا رسول الله ‏!‏ اني اخاف او قال اني ارهب ان اموت في الارض التي هاجرت منها فادع الله لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا‏)‏ وذكر الحديث وهذا كله يدل على ان قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ ان معناه لا هجرة تبتدا بعد الفتح مفترضة لا على اهل مكة ولا على غيرهم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ من وجوه كثيرة صحاح كلها وفي بعضها ‏(‏لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا‏)‏ ثم قال لهم ‏(‏المهاجر من هجر ما حرم الله عليه‏)‏ وقال لبعضهم اذ ساله عن الهجرة ‏(‏اقم الصلاة وات الزكاة وما افترض الله عليك واجتنب ما نهاك عنه واسكن من ارض قومك حيث شئت‏)‏ قال ابو عمر فهذه الهجرة المفترضة الباقية إلى يوم القيامة الا ان المهاجرين الاولين الذين مدحهم الله بهجرتهم حرام عليهم ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدينة والرجوع إلى مكة ابدا الا ترى ان عثمان وغيره كانوا اذا حجوا لا يطوفون طواف الوداع الا ورواحلهم قد رحلت وهذا انما كان عليهم ما كان صلى الله عليه وسلم حيا بين اظهرهم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفع ذلك عنهم بموته فافترقوا في البلدان - رضي الله عنهم - وروى جرير بن حازم قال حدثني عمي جرير بن يزيد عن عامر بن سعد عن ابيه فذكر معنى حديث بن شهاب وفيه ‏(‏لكن سعد بن خولة البائس قد مات في الارض التي قد هاجر منها‏)‏ قال ابو عمر ما قاله شيوخنا في حديث بن شهاب ‏(‏يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مات بمكة‏)‏ من كلام بن شهاب صحيح ومعلوم بما ذكرنا من الاثار ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة ‏(‏ البائس‏)‏ انما كان رثى بذلك لموته بمكة وقد يمكن ان يكون احب واختار التودد بها حتى ادركته فيها منيته والله اعلم وكان موته بمكة في حجة الوداع حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثني الحسن بن غليب واسحاق بن ابراهيم بن جابر قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث عن يزيد بن ابي حبيب قال توفي سعد بن خولة في حجة الوداع قال ابو عمر سعد بن خولة بدري وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في كتاب الصحابة والحمد لله قال مالك في الرجل يوصي بثلث ماله لرجل ويقول غلامي يخدم فلانا ما عاش ثم هو حر فينظر في ذلك فيوجد العبد ثلث مال الميت قال فان خدمة العبد تقوم ثم يتحاصان يحاص الذي اوصي له بالثلث بثلثه ويحاص الذي اوصي له بخدمة العبد بما قوم له من خدمة العبد فياخذ كل واحد منهما من خدمة العبد او من اجارته ان كانت له اجارة بقدر حصته فاذا مات الذي جعلت له خدمة العبد ما عاش عتق العبد قال ابو عمر قد تقدم القول فيما زاد من الوصايا على الثلث ان ذلك موقوف عند جمهور العلماء على اجازة الورثة وقد ذكرنا الخلاف في ذلك واما الوصية بخدمة العبد وغلة البساتين وسكنى المساكين فقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال مالك والثوري والليث وعثمان البتي وابو حنيفة والشافعي وسوار وعبد الله وعبيد الله ابنا الحسن قاضيا البصرة الوصية بسكنى الدار وغلة البساتين فيما يستاذن وخدمة العبد جائزة اذا كانت الثلث او اقل وكذلك ما زاد على الثلث من ذلك اذا اجازه الورثة وقال بن ابي ليلى وبن شبرمة الوصية بكل ذلك باطل غير جائزة وبه قال داود واهل الظاهر لان ذلك منافع طارئة على ملك الوارث لم يملكها الميت قبل موته وقد اجمعوا انه لو اوصى بشيء ومات وهو في غير ملكه ان الوصية باطل والوصية بالمنافع كذلك لانه قد مات وهي في غير ملكه فان شبه على احد ان الاجارة يملك المؤاجر بها البدل من منافعها وان لم تكن في ملكه فليس كذلك لان المؤاجر على ملكه كل ما يطرا من المنافع ما دام الاصل في ملكه وكان حيا وليس الميت بمالك لشيء من ذلك لان المنافع طارئة على ملك الورثة واما الاوقاف فان السنة اجازتها بخروج ملك اصلها عن الموقف إلى الله عز وجل ليتحرى عليها فيما يقرب منه وليست المنافع فيها طارئة على ملك الموقف لانه مستحيل ان يملك الميت شيئا وقد قال بعضهم ان اصول الاوقاف على ملك الموقف لقول رسول الله ‏{‏ صلى الله عليه وسلم ‏(‏ينقطع عمل المرء بعده الا من ثلاث‏)‏ فذكر منها صدقة يجري عليه نفعها وهذا ليس بشيء لان الثواب والاجر الذي يناله الميت فيما يوقفه من اصول ماله انما كان لان اصله خرج عن ملكه إلى الله تعالى فبذلك استحق الاجر كمن سن سنة حسنة فعمل بها غيره اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن ابي عمرو قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قال بن شبرمة وبن ابي ليلى من اوصى بفرع شيء ولم يوص باصله فليس بشيء قال ابو عمر قول بن ابي ليلى وبن شبرمة ومن تابعهما قول صحيح في النظر والقياس وان كان على خلافه اكثر الناس قال مالك في الذي يوصي في ثلثه فيقول لفلان كذا وكذا ولفلان كذا وكذا يسمي مالا من ماله فيقول ورثته قد زاد على ثلثه فان الورثة يخيرون بين ان يعطوا اهل الوصايا وصاياهم وياخذوا جميع مال الميت وبين ان يقسموا لاهل الوصايا ثلث مال الميت فيسلموا اليهم ثلثه فتكون حقوقهم فيه ان ارادوا بالغا ما بلغ قال ابو عمر هذه مسألة معروفة لمالك واصحابها يدعونها مسألة خلع الثلث وخالفهم فيها ابو حنيفة والشافعي وابو ثور وأحمد وداود واصحابهم وانكروها على مالك - رحمه الله وقد اجمعوا ان الوصية تصح بموت الموصي وقبول الموصى له اياها بعد موت الموصى واذا صح ملك الموصى له للشيء الموصى به فكيف تجوز فيه المعاوضة بثلث لا يبلغ الا معرفته ولا يوقف على حقيقته وقد اجمعوا انه لا تجوز البياعات والمعاوضات في المجهولات واجمعوا انه لا يحل ملك مالك الا عن طيب نفسه فكيف يؤخذ من الموصى له ما قد ملكه بموت الموصي وقبوله له بغير طيب نفس منه ومن حجة مالك ان الثلث موضع للوصايا فاذا امتنع الورثة ان يخرجوا ما اوصى به الميت وزعموا انه تعدى فيه بأكثر من الثلث خيروا بين ان يسلموا للموصى له ما اوصى به الميت لهم او يسلموا إليه ثلث الميت كما لو جنى العبد جناية قيمتها مائة درهم والعبد قيمته الف كان سيده مخيرا بين ان يؤدي ارش الجناية فلا يكون للمجني عليه إلى العبد سبيل وبين ان يسلم العبد إليه وان كان يساوي اضعاف قيمة الجناية قال ابو عمر الذي اقول به ان الورثة إذا ادعوا ان الشيء الموصى به اكثر من الثلث كلفوا بيان ذلك فاذا ظهر ذلك وكان كما ذكروا اكثر من الثلث يأخذ من الموصى له قدر ثلث مال الميت وكان شريكا للورثة بذلك فيه وان كان الثلث فأقل اجبروا على الخروج عنه إلى الموصى له وبالله التوفيق لا شريك له‏.‏

باب امر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في اموالهم

1463- قال مالك احسن ما سمعت في وصية الحامل وفي قضاياها في مالها وما يجوز لها ان الحامل كالمريض فاذا كان المرض الخفيف غير المخوف على صاحبه فان صاحبه يصنع في ماله ما يشاء واذا كان المرض المخوف عليه لم يجز لصاحبه شيء الا في ثلثه قال وكذلك المراة الحامل اول حملها بشر وسرور وليس بمرض ولا خوف لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه ‏(‏فبشرناها باسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب‏)‏ ‏[‏هود 71‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين‏)‏ الاعراف 189 فالمراة الحامل اذا اثقلت لم يجز لها قضاء الا في ثلثها فأول الاتمام ستة اشهر قال الله تبارك وتعالى في كتابه ‏(‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏)‏ ‏[‏البقرة 233‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏وحمله وفصاله ثلاثون شهرا‏)‏ الاحقاف 15 فاذا مضت للحامل ستة اشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها الا في الثلث قال مالك في الرجل يحضر القتال انه اذا زحف في الصف للقتال لم يجز له ان يقضي في ماله شيئا الا في الثلث وانه بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه ما كان بتلك الحال قال ابو عمر اصل علامات المرض الذي يلزم به صاحبه الفراش ولا يعذر معه على شيء من التصرف ويغلب على القلوب انه يتخوف عليه منه الموت اذا كانت هذه حال المريض فالعلماء مجمعون قديما وحديثا على انه لا يجوز له ان يقضي في ماله بأكثر من الثلث واما الحامل فأجمعوا على ان ما دون ستة اشهر من حملها هي فيه كالصحيح في افعاله وتصرفه في ماله واجمعوا ايضا انها اذا ضربها المخاض والطلق انها كالمريض المخوف عليه لا ينفذ لها في مالها اكثر من ثلثها واختلفوا في حالها اذا بلغت ستة اشهر من حملها إلى حين يحضرها الطلق فقال مالك ما وصفه في موطئه على ما ذكرناه وهو قول الليث بن سعد واحمد واسحاق وطائفة من السلف وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما والثوري وعبيد الله بن الحسن والاوزاعي وابو ثور وداود الحامل كالصحيح ما لم يكن المخاض والطلق او يحدث بها من الحمل ما تصير به صاحبة فراش واجمع العلماء على ان من بلغت منه الجراح ان انفذت مقاتله او قدم للقتل في قصاص او لرجم في زنا انه لا يجوز له من القضاء في ماله الا ما يجوز للمريض صاحب الفراش المخوف عليه وكذلك الذي يبرز في التحام الحرب للقتال واجمع العلماء على ان عتق المريض صاحب الفراش الثقيل المرض لعبيده في مرضه اذا مات من مرضه ذلك لا ينفذ منه الا ما يحمل ثلث ماله وثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن حصين وغيره في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم ثم مات فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وعتق - ثلثهم - اثنين وارق ثلثيهم اربعة واجمع الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من خالفهم ان هبات المريض وصدقاته وسائر عطاياه اذا كانت حاله ما وصفنا لا ينفذ منها الا ما حمل ثلثه وقال داود واهل الظاهر اما عتق المريض فعلى ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي اعتق ستة اعبد له في مرضه لا مال له غيرهم ينفذ من ذلك الثلث واما هباته وصدقاته وما يهديه ويعطيه وهو حي فنافذ ذلك كله جائز عليه ماض في ذلك كله لانه ليس بوصية وانما الوصية ما يستحق بموت الموصي وقال الجمهور من العلماء وجماعة اهل الفتوى بالامصار ان هبات المريض كلها وعتقه وصدقاته لو صح من مرضه نفذ ذلك كله من راس ماله ويراعون فيها ما عدا العتق القبض على ما ذكرنا في اصولهم من قبض الهبات والصدقات فيما تقدم من هذا الكتاب وقال داود واهل الظاهر اما العتق خاصة في المرض فلا ينفذ منه الا الثلث مات المعتق من مرضه او صح لان المرض لا يعلم ما منه الموت وما منه الصحة الا الله تعالى وقد اجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق ثلث العبيد الذين اعتقهم سيدهم بالمرض ولا مال له غيرهم قال ابو عمر الحجة على داود قائمة بنص الحديث لان فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما اقرع بين العبيد بعد موت سيدهم وتغيظ عليه وقال ‏(‏لقد هممت الا اصلي عليه ما اعتق جميعهم‏)‏ ولم يكن له مال غيرهم وهذه الالفاظ محفوظة في حديث عمران بن حصين وقد ذكرنا كثيرا منه في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي كتاب العتق من هذا الكتاب والله الموفق للصواب‏.‏

باب الوصية للوارث والحيازة

1464- قال مالك في هذه الاية انها منسوخة قول الله تبارك وتعالى ‏(‏أن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين‏)‏ ‏[‏البقرة 180‏]‏‏.‏

نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله عز وجل قال ابو عمر قد تقدم القول في هذه الاية وذكرنا ما للعلماء فيها من التنازع وهل هي منسوخة او محكمة وما الناسخ لها من القران والسنة في باب الامر بالوصية من هذا الكتاب فلا معنى لاعادة ذلك هنا قال مالك السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها انه لا تجوز وصية لوارث الا ان يجيز له ذلك ورثة الميت وانه ان اجاز له بعضهم وابى بعض جاز له حق من اجاز منهم ومن ابى اخذ حقه من ذلك وهذه المسألة قد مضت ايضا مجودة فيما للعلماء فيها من الاقوال والاعتلال في باب الامر بالوصية من كتابنا هذا فلا وجه لتكرارها قال وسمعت مالكا يقول في المريض الذي يوصي فيستأذن ورثته في وصيته وهو مريض ليس له من ماله الا ثلثه فيأذنون له ان يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه انه ليس لهم أ ن يرجعوا في ذلك ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك فاذا هلك الموصي اخذوا ذلك لانفسهم ومنعوه الوصية في ثلثه وما اذن له به في ماله قال فأما ان يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته فيأذنون له فان ذلك لا يلزمهم ولورثته ان يردوا ذلك ان شاؤوا وذلك ان الرجل اذا كان صحيحا كان احق بجميع ماله يصنع فيه ما شاء ان شاء ان يخرج من جميعه خرج فيتصدق به او يعطيه من شاء وانما يكون استئذانه ورثته جائزا على الورثة اذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله ولا يجوز له شيء الا في ثلثه وحين هم احق بثلثي ماله منه فذلك حين يجوز عليهم امرهم وما اذنوا له به فان سأل بعض ورثته ان يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل ثم لا يقضي فيه الهالك شيئا فانه رد على من وهبه الا ان يقول له الميت فلان لبعض ورثته ضعيف وقد احببت ان تهب له ميراثك فأعطاه اياه فان ذلك جائز اذا سماه الميت له قال وان وهب له ميراثه ثم انفذ الهالك بعضه وبقي بعض فهو رد على الذي وهب يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي اعطيه قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة اقوال احدها قول مالك ان اذن الورثة للمريض في حال مرضه ان يوصي لوارثه او بأكثر من ثلثه فهو لازم لهم إلا ان يكونوا ممن يخاف دخول الضرر عليهم من منع رفد واحسان وقطع نفقة ومعروف ونحو هذا ان امتنعوا فان كان ذلك لم يضرهم اذنهم وكان لهم الرجوع فيما اذنوا فيه بعد موته روى ذلك بن القاسم وغيره عنه وان استأذنهم في صحته فأذنوا له لم يلزمهم بحال من الاحوال والقول الثاني ان اذن لهم في الصحة والمرض سواء ويلزمهم اذنهم بعد موته ولا رجوع لهم روي ذلك عن الزهري وربيعة والحسن وعطاء وروي ذلك عن مالك والصحيح عنه ما في موطئه وهو المشهور عنه من مذهبه والقول الثالث ان اذنهم واجازتهم لوصيته في صحته ومرضه سواء ولا يلزمهم شيء منه الا ان يجيزوا ذلك بعد موته حين يجب لهم الميراث ويجب للموصى له الوصية لانه قد يموت من مرضه وقد لا يموت وقد يموت ذلك الوارث المستأذن قبله فلا يكون وارثا ويرثه غيره ومن اجاز ما لا حق له فيه ولم يجب له فليس فعله ذلك بلازم له وممن قال ذلك الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وسفيان الثوري وروي ذلك عن بن مسعود وشريح وطاوس وبه قال احمد واسحاق قال مالك فيمن اوصى بوصية فذكر انه قد كان اعطى بعض ورثته شيئا لم يقبضة فأبى الورثة ان يجيزوا ذلك فان ذلك يرجع إلى الورثة ميراثا على كتاب الله تعالى لأن الميت لم يرد ان يقع شيء من ذلك في ثلثه ولا يحاص اهل الوصايا في ثلثه بشيء من ذلك قال ابو عمر هذه وصية الوارث لم يعلم بها الا في المرض او عطية من صحيح ذكرها في وصيته ليخرج من ثلثه فحكمها حكم العطيه في المرض فاذا لم يجزها الورثة لم يجز ولا سبيل ان يكون من اقراره في مرضه شيء ينقل إلى حكم الصحة عند جماعة ائمة الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا كما لو اقر في صحته لم يحكم له بحكم الاقرار في المرض وهذا رجل اراد ان يصنع وهو مريض صنيع صحيح فيعطي الوارث وهو مريض عطيته من راس ماله فلم يجز له ذلك اهل العلم الا انه لو قال في مرضه وهو مريض كنت اعطيته شيئا في صحتي لم يقبضه وانا اوصي به له الان فهذا موقوف على اجازة الورثة ولو كان لاجنبي وقد قال انفذوا له ما اعطيته في الصحة فقد اوصيت له به وانفذته له كان ذلك جائزا له من ثلثه رضي الورثة بذلك او لم يرضوا الا ان يكون اكثر من الثلث فيكون ذلك من اجازتهم على ما قدمنا وهذا كله قول جماعة الفقهاء والحمد لله كثيرا‏.‏

باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن احق بالولد

1465- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه ان مخنثا كان عند ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن ابي امية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع يا عبد الله ان فتح الله عليكم الطائف غدا فأنا ادلك على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يدخلن هؤلاء عليكم‏)‏ قال ابو عمر هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ‏(‏الموطأ‏)‏ عن مالك عن هشام بن عروة عن ابيه مرسلا الا سعد بن ابي مريم فانه رواه عن مالك عن هشام عن ابيه عن ام سلمة ولم يسمعة عروة من ام سلمة لان بن عيينة وغيره رووه عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ابي سلمة عن امها ام سلمة وهذا اصح اسانيده عندي وقد ذكرته في ‏(‏التمهيد‏)‏ ورواه معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت يدخل على بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير اولي الاربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امراة فقال انها اذا اقبلت اقبلت بأربع واذا ادبرت بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الا ارى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلن هذا عليكن‏)‏ فحجبوه قال ابو عمر انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن عليكم هذا ولم يقل عليكن لانه خاطب الرجال الا يدخل بيوتهم على نسائهم فحجبوه فهكذا رواية مالك وغيره ‏(‏عليكم‏)‏ وقد روي ‏(‏لا يدخلن هذا عليكن‏)‏ مخاطبة منه لنسائه والله اعلم حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن احمد قال حدثني يحيى بن محمد بن زياد قال حدثني احمد بن عبد الجبار قال حدثني يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ام سلمة عن ام سلمة قالت كان عندي مخنث فقال لعبد الله اخي ان فتح الله عليكم الطائف غدا فاني ادلك على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال ‏(‏لا يدخلن هؤلاء عليكم وبه عن يونس بن بكير عن بن إسحاق قال وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاختة ابنة عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يفطن بشيء من امر النساء مما يفطن إليه الرجال ولا يرى ان له في ذلك اربا فسمعه يقول لخالد بن الوليد يا خالد ‏!‏ ان فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا ينفلتن منكم بادية ابنة غيلان بن سلمة فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعها منه ‏(‏لا ارى هذا الخبيث يفطن لما أسمع‏)‏ ثم قال لنسائه ‏(‏لا يدخلن عليكن‏)‏ فحجب عن بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال بن إسحاق في هذا المؤنث ان اسمه ماتع ولم يقله غيره فيما علمت والاكثر على ان اسمه ‏(‏هيت‏)‏ كذلك ذكر ‏(‏حبيب‏)‏ عن مالك وكذلك رواه بن عيينة عن بن جريج ان اسم ذلك المحنث هيث وهو قول الواقدي وبن الكلبي وقال بن إسحاق وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى خالته فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي وقال بن الكلبي كان هيت المخنث مولى لعبد الله بن امية اخي أم سلمة قال وكان طويس مولى عبد الله بن ابي امية ايضا وقال بن إسحاق فقال لخالد بن الوليد وقالوا كلهم فقال لعبد الله بن ابي امية كذلك في الحديث المسند وهو الصواب وهو قول بن إسحاق وغيره استشهد يوم الطائف عبد الله بن ابي امية اخو ام سلمة وفي رواية بن الكلبي والواقدي ان هيتا هذا المخنث قال لعبد الله بن ابي امية وهو اخو ام سلمة لابيها وامة عاتكة يا عبد الله - وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ام سلمة - ان افتتحتم الطائف فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي فانها تقبل باربع وتدبر بثمان مع ثغر كالاقحوان ان قعدت تثنت وان تكلمت تغنت بين رجليها مثل الاناء المكفو ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لقد غلغلت النظر اليها يا عدو الله‏)‏ ثم اجلاه عن المدينة إلى الحمى قال فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة هذا قول بن الكلبي قال ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولي ابو بكر كلم فيه فابى ان يرده فلما ولي عمر كلم فيه وقيل انه قد كبر وضعف واحتاج فاذن له ان يدخل كل جمعة فيسال الناس ثم يرجع إلى مكانه واما قوله تقبل باربع وتدبر بثمان فقد فسره حبيب عن مالك وذكر غيره باكثر من ذلك من معناه ما نذكره ها هنا ان المراة وصفها المخنث بانها امراة لها في بطنها اربع عكن تبلغ خصرتها فتصير لها اربعة اطراف في كل خصر فتصير ثمانيا اربعا من هنا واربعا من هنا فاذا اقبلت اليك واستقبلتها رايت في بطنها اربع عكن فاذا ادبرت رايت ثمانيا من جهة الاطراف في خصريها هكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث واستشهد بعضهم عليه بقول النابغة في قوائم ناقته‏:‏

على هضبات بينما هن اربع *** انخن لتعريس فعدن ثمانيا

وقد روي خبر هذا المخنث من حديث سعد بن ابي وقاص بتمامه وقد ذكرناه في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي الحديث من الفقة انه لا يجوز دخول احد من المخنثين وهم الذين يدعون عندنا المؤنثين على النساء وانهم ليسوا من الذين قال الله فيهم ‏(‏غير اولى الاربة من الرجال‏)‏ ‏[‏النور 31‏]‏‏.‏

وهذه الصفة هو الابله الاحمق العنين الذي لا ارب له في النساء ولا يفطن بشيء من معايبهن ومحاسنهن فمن كان بهذه الصفة لم يكن بدخوله على الناس باس لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن بهيت المخنث انه ممن هذه صفته فلما سمع منه ما سمع امر بان لا يدخل على النساء ثم اخرجه من المدينة ونفاه عنها وهذا اصل في كل من يتاذى به ولا يقدر على الاحتراس منه ان ينفى إلى مكان يؤمن فيه منه الاذى قال ابو عمر قد صحف قوم من الرواة اسم ابنة غيلان هذه والصواب فيه ‏(‏بادية‏)‏ بالباء والياء وهو ماخوذ من بدا يبدو أي ظهر فكانها سميت ظاهرة هذا معنى ما ذكره الزبير وغيره وبالله التوفيق‏.‏

1466- مالك عن يحيى بن سعيد انه قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب امراة من الانصار فولدت له عاصم بن عمر ثم انه فارقها فجاء عمر قباء فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد فاخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فادركته جدة الغلام فنازعته اياه حتى اتيا ابا بكر الصديق فقال عمر ابني وقالت المراة ابني فقال ابو بكر خل بينها وبينه قال فما راجعه عمر الكلام قال وسمعت مالكا يقول وهذا الامر الذي اخذ به في ذلك قال ابو عمر هذا خبر منقطع في هذه الرواية ولكنه مشهور مروي من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه اهل العلم بالقبول والعمل وزوج عمر بن الخطاب ام ابنه عاصم بن عمر هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن ابي الاقلح الانصاري وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في الصحابة وفيه دليل على ان عمر كان مذهبه في ذلك خلاف مذهب ابي بكر ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والقضاء ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ولم يخالف ابا بكر في شيء منه ما دام الصبي صغيرا لا يميز ولا مخالف لهما من الصحابة ذكر حماد بن سلمة عن قتادة وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال ان عمر طلق جميلة ابنة عاصم فجاءت جدته الشموس فذهبت بالصبي فجاء عمر على فرس فقال اين ابني فقيل ذهبت به الشموس فدفع فلحقها فخاصمها إلى ابي بكر فقضى لها ابو بكر به وقال هي احق بحضانته وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال ابصر عمر عاصما ابنه مع جدته ام امه فكانه جاذبها اياه فلما راه ابو بكر مقبلا قال له مه مه هي احق به فما راجعه الكلام وعن بن جريج انه اخبره عن عطاء الخرساني عن بن عباس قال طلق عمر بن الخطاب امراته الانصارية ام ابنة عاصم فلقيها تحمله بمحسر وقد فطم ومشى فاخذ بيده لينتزعه منها ونازعها اياه حتى اوجع الغلام وبكى وقال انا احق بابني منك فاختصما إلى ابي بكر فقضى لها به وقال ريحها وحجرها وفراشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ومحسر سوق بين قباء والمدينة وعن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال خاصمت امراة عمر إلى ابي بكر وكان طلقها فقال ابو بكر الام اعطف والطف وارحم واحق واراف هي احق بولدها ما لم تتزوج وعن معمر قال سمعت الزهري يحدث ان ابا بكر قضى على عمر في ابنه مع امه وقال امه احق به ما لم تتزوج قال ابو عمر من الحديث في ذلك عن عمر بموافقته ابا بكر رضي الله عنهما ما رواه معمر عن ايوب عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال اختصم إلى عمر في صبي فقال عمر هو مع امه حتى يعرب عنه لسانه فيختار وروي هذا عن عمر من وجوه كثيرة ذكرها عبد الرزاق وغيره وفي ذلك تخيير الصبي اذا ميز كما تقدم ذكره عن ابي بكر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه يحيى بن ابي كثير وزياد بن سعد عن هلال بن اسامة ان ابا ميمونة - سليمان - مولى من اهل المدينة اخبره انه سمع ابا هريرة يقول جاءت ام واب يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بن لهما فقالت المراة للنبي صلى الله عليه وسلم فداك ابي وامي يا رسول الله ان زوجي يريد ان يذهب بابني وقد سقاني من بئر ابي عنبة ونفعني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يا غلام ‏!‏ هذا ابوك وهذه امك فخذ بيد ايهما شئت فاخذ بيد امه فانطلقت به‏)‏ قال ابو عمر لا اعلم خلافا بين السلف من العلماء والخلف في المراة المطلقة اذا لم تتزوج انها احق بولدها من ابيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا اذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت منها فسق ولم تتزوج ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره اذا ميز وعقل بين امه وبين ابيه وفيمن هو اولى به ذلك على ما نذكره عن ائمة الفقهاء الذين تدور عليهم بامصار المسلمين الفتيا ان شاء الله عز وجل وممن خير الصبي المميز بين ابويه من السلف عمر بن الخطاب وغيره روي عن بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن ابي عبد الله بن ابي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم الاشعري انه حضر عمر بن الخطاب خير صبيا بين امه وابيه وعن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي قال قدم عمي من البصرة يريد ان ياخذني من امي فارسلتني امي إلى علي بن ابي طالب ادعوه اليها فدعوته فخيرني بين امي وعمي قال وأبصر علي اخا لي اصغر مني مع امي فقال وهذا اذا بلغ مبلغ هذا خير وعن سفيان عن ايوب عن بن سيرين عن شريح انه خير غلاما بين ابيه وامه قال سفيان الام احق به ما دام صغيرا فاذا بلغ ستا وعقل خير بين ابويه وقد روي عن شريح شيء ظاهره خلاف ما وصفنا وليس كذلك لانه قد روي عنه ما ذكرنا وبالله توفقنا ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن ايوب عن بن سيرين عن شريح قال الاب احق والام ارفق رواه هشيم قال اخبرنا يونس وبن عون وهشام واشعث كلهم عن بن سيرين عن شريح قال الاب احق والام ارفق وهذا كلام مجمل يحتمل ان يكون الاب احق به اذا تزوجت الام على ما عليه جماعة العلماء بحسب ما نورده بحول الله تعالى ويدل على صحة ما تاولناه على شريح انه قد روى عنه بهذا الاسناد معمر عن ايوب عن بن سيرين ان شريحا قضى ان الصبي مع امه اذا كانت الدار واحدة ويكون معهم من النفقة ما يصلحهم وبن عيينة عن ايوب عن بن سيرين ان امراة كانت بالكوفة فارادت ان تخرج بولدها إلى البادية فخاصمها العصبة إلى شريح فقال هم مع امهم ما كانت الدار واحدة فاذا ارادت ان تخرج بهم اخذوا منها وقال الاب احق والأم ارفق سفيان عن زكريا بن ابي زائدة ان امراة ارادت ان تخرج بولدها إلى الرستاق فاختصموا إلى الشعبي فقال العصبة احق قال ابو عمر على هذا جمهور الفقهاء عند انتقال الام عن حضرة الاب وبالله التوفيق واما مذاهب الفقهاء في الحضانة فذكر بن وهب عن مالك قال الام احق بالولد ما لم تتزوج ثم لا حضانة لها بذلك قضى ابو بكر على عمر فاذا اثغروا فوق ذلك فلا حضانة لها قال بن وهب وسئل مالك عن المطلقة ولها بن في الكتاب او بنت قد بلغت الحيض للاب ان ياخذهما فقال مالك لا ارى ذلك له ان يؤدب الغلام ويعلمه ويقلبه إلى امه ولا يفرق بينه وبين امه ولكن يتعاهده في كتابه ويقر عند امه ويتعاهد الجارية وهي عند امها ما لم تنكح قال مالك وللجدة من الام الحضانة بعد الام ثم الجدة من الاب قال وليس للام ولا للجدة ان يخرجا بالولد إلى بلد بعيد عن ابيه واهل بيته وذكر بن القاسم عن مالك ان ولد المراة اذا كان ذكرا فهي اولى بحضانته ما لم تتزوج ويدخل بها حتى يبلغ فاذا بلغ ذهب حيث شاء خالف بن القاسم رواية بن وهب في اعتبار البلوغ وقد ذكر بن عبد الحكم الروايتين قال بن القاسم عن مالك والام احق بحضانة ابنتها وان بلغت الجارية ما لم تتزوج وعلى الاب نفقة ابنته اذا كان يجد قال مالك واولياء الولد اولى بهم - وان كانوا صغارا - من امهم اذا نكحت قال مالك فاذا تزوجت الام فالجدة من الام اولى فان طلقها زوجها بعد الدخول بها لم يرد اليها الولد وكذلك ان سلمته الام استثقالا للولد ثم طلبته لم يرد اليها قال بن القاسم عنه فان ماتت جدته لامه فخالته اولى بحضانته ثم بعدها جدته لابيه ثم الاخت ثم العمة وبنت الاخ اولى بالولد من العصبة ولم يذكر مالك تخيير الولد في شيء من ذلك قال وينظر للولد بالذي هو اكفا واحوط وقال الثوري ان تزوجت الام فالخالة احق به ولم يذكر تخييرا وقال الاوزاعي الام اذا تزوجت فالعم احق من الجدة ام الام وان طلقها زوجها ثم ارادت اخذ الولد لم يكن لها ذلك ولم يذكر تخيير الصبي وذكر عن الاوزاعي ايضا الام احق بالولد وعلى الاب النفقة فان تزوجت فهو احق به فان سلمته إلى جدته فمتى ارتجعته منه رد عليها نفقتها والجدة ام الاب اولى من العمة اذا قويت على النفقة ولا تعود حضانة الام بطلاقها والليث الام احق بالابن حتى يبلغ ثماني سنين او تسع سنين او عشرا ثم الاب اولى بالجارية حتى تبلغ فان كانت الام غير مرضية في نفسها وادبها لولدها اخذ منها اذا بلغ وقال الحسن بن حي اذا كانت الابنة كاعبا والغلام قد ايفع واستغنى عن امه خيرا بين ابويهما فايهما اختارا فهو اولى فان اختارا بعد ذلك الاخر حول ومتى طلقت بعد التزويج رجع حقها فان كان احد الابوين غير مامون كانت عند المامون حتى يبلغ والبكر اذا بلغت فاختار لها ان تكون مع احدهما فان ابت وهي مامونة فلها ذلك والابن اذا بلغ واونس رشده ولي نفسه‏.‏

وقال الشافعي اذا بلغ الولد سبع سنين او ثماني سنين خير اذا كانت دارهما واحدة وكانا مامونين على الولد يعقل عقل مثله فاذا كان احدهما غير مامون فهو عند المامون منهما كان الولد ذكرا او انثى فان منعت المراة من الولد بالزوج فطلقها طلاقا رجعيا او غيره رجعت على حقها في ولدها لانها منعت لوجه فاذا ذهب فهي كما كانت وهو قول المغيرة وبن ابي حازم وعلى الاب نفقته ويؤدبه بالكتاب والصناعة ان كان من اهلها وياوي إلى امه ولا يمنع ان اختار الام من اتيان الاب ولا الام من اتيان ابنتها وتمريضها عند الاب قال والام احق بالولد الصغير ما لم تتزوج ثم الجدة للام وان علت ثم الجدة للاب وان علت ثم الاخت للاب والام ثم الاخت للاب ثم الاخت للام ثم الخالة ثم العمة ولا ولاية لام اب الام لان قرابتها باب لا بام وقرابة الصبي من النساء اولى وان كان الولد مخبولا فهو كالصغير قال ولا حق لاحد مع الاب غير الام وامهاتها فاما اخواتها وغيرهن فانما حقوقهن بالاب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد ابو الاب يقوم مقام الاب اذا لم يكن اب واقرب العصبة يقوم مقام الاب اذا لم يكن اب او كان غائبا او غير رشيد واما قول الكوفيين فروى ابو يوسف وابو حنيفة قال الام أولي بالغلام والجارية الصغيرين ثم الجدة من الام ثم الجدة من الاب ثم الاخت للام والاب ثم الاخت للام ثم الخالة في احد الروايتين هي احق من الاخت لاب وفي الاخرى الاخت اولى ثم العمة والام والجدتان اولى بالجارية حتى تبلغ المحيض وبالغلام حتى يستغني فياكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ومن سواهما احق بهما حتى يستغنيا ولا يراعى البلوغ وقال زفر في رواية عمرو بن خالد عنه الخالة اولى من الاخت للاب وقال ابو يوسف الاخت اولى وروي عن عمرو بن خالد ايضا عن زفر الخالة للاب اولى من الجدة للاب وروى الحسن بن زياد عنه ان الجدة ام الام اولى بحضانة الولد بعد الام ثم ام الاب ثم الاخت من قبل الاب والام والاخت من قبل الام يتساويان في الحضانة ولا تتقدم احداهما فيه الاخرى ثم الاخت من قبل الام ثم الخالة ثم العمة فاذا تزوجت واحدة منهن لغير ذي رحم كان غيرها اولى اذا كان زوجها ذا رحم من الولد ومتى عادت الام او غيرها غير ذات زوج عادت اليها حضانتها قال ابو عمر في الخالة حديث علي وبن عباس ان عليا وجعفر وزيد بن حارثة ترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة في حين دخوله مكة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر من اجل ان خالتها عنده وقال ‏(‏الخالة ام او بمنزلة الام‏)‏ حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني احمد بن جريج قال حدثني خلف بن الوليد قال حدثني اسرائيل عن ابي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن علي فذكر حديثا بمعنى ما ذكرت الا اني اختصرته وروى حفص بن غياث عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس مثله بمعناه‏.‏